الإسلام الذي وقف من العلم هذا الموقف العجيب في تاريخ الدعوات، قدر حاجة الأمة إلى الأجسام الصحيحة لتتزود وتنتفع به. فحث على الطهارة والنظافة:
( إنّ الله يُحب التوابين ويحب المتطهرين)
وأوجب الوضوء والاغتسال ورغب في السفر ( سافروا تصحوا) وفرض الحج على كل مستطيع، وحث الآباء على تعليم أبنائهم كل فنون الرياضة المتعارفة حينذاك:
( علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القدوة الحسنة في ذلك فهو يسابق عائشة ويصارع ركانة ويغتسل ويتطيب وينهي عن إجهاد النفس في العبادة لئلا تنقطع عن أداء الواجب، ويقول لمن بلغه عنه المبالغة في العبادة:
( ألم أخبر يا فلان أن تقوم الليل وتصوم النهار؟ قال بلى يا رسول الله ، قال فلا تفعل ولكن قم ونم و صم وأفطر فإن لنفسك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً)
وما أروع قوله عليه الصلاة والسلام :
( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)
ولما دخل المسلمون مكة في عمرة الحديبية وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالطواف حول البيت كانت قريش تنظر إليهم من هضاب مكة فاضطبع رداءه وأمرهم بالهرولة وقال: ( رحم الله امرءاً أراهم اليوم قوة في نفسه).
ولا ريب أن قوة الأجسام وسعة المعارف قد يكونان في الأمة أداة شر إن لم يزنهما خلق فاضل وتربية مستقيمة. والأخلاق في الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط. وتقريب بين المثل الأعلى والواقع، وانسجام بين العقل والغريزة، قوة مع رحمة ، حكم مع عدل، كرم مع اقتصاد، تواضع مع عزة، مساواة مع تسامح، لين مع حزم، تشاور مع عزم، صفاء مع حزر.
وهكذا كان النظام الأخلاقي في الإسلام هو النظام الوحيد الذي استطاعت الأجيال البشرية أن تتخلق به فتحتفظ بالسمو والحياة في آن واحد من بين جميع النظم الأخلاقية التي وضعها الفلاسفة والمتشرعون.
اخوكم محمد